ماذا للمرأة في الجنة؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
ففي الوقت الذي تسلط فيه شياطين الإنس والجن على عقول وقلوب كثير من نساء الأرض، بل نساء المسلمين كذلك، وجعلوا منهن دمية في أيديهم وجعلوا منها منافسة للرجل الذي هو أبوها وأخوها وزوجها وابنها.
وجعلوها تترك ميدانها في الحياة لتسابق الرجل في ميدانه فازدحمت ميادين الرجال -ميادين العمل والكدح-، حتى كثرت البطالة وتضرر من جرائها المجتمع كله، وخلت ميادين النساء، ميادين التربية والقيام بشئون الأسرة؛ فتضرر المجتمع أيضا أيما ضرر.
ومن عجيب أمرهم أنهم جعلوا المرأة تترفع عن أي شيء يحتاج إلى امرأة، ولو رجعنا إلى الوراء إلى عهد الصحابة -رضي الله عنهم- لما وجدنا لتلك النعرات الجاهلية أي أثر في سلوك الصحابيات -رضي الله عنهن-، فقد كن ملتزمات بشرع الله مقبلات على المهمة التي خلقهن الله من أجلها، وكان قيامهن بهذه المهمة هو وسيلتهن للغاية المنشودة التي يشترك فيها المؤمنون رجالاً ونساءً، ألا وهي رضوان الله والجنة.
ومن هنا كانت هذه المنافسة في هذه المواقف التي تعكس مدى سمو نفوس الصحابيات وارتفاعها إلى عنان السماء.
1ـ وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: (قلت يا رسول الله نرى الجهاد أفضل الأعمال أفلا نجاهد فقال لكن أفضل الجهاد حج مبرور) رواه البخاري وغيره، وابن خزيمة في صحيحه ولفظه قالت: (قلت يا رسول الله هل على النساء من جهاد قال عليهن جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة).
2ـ عن أم سلمة قالت: (يا رسول الله لا أسمع الله ذكر النساء في الهجرة فانزل الله -تعالى-: (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَاباً مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ)(آل عمران: 195)(رواه الترمذي وقال الألباني صحيح لغيره).
قال ابن كثير رحمه الله: "يقول -تعالى-: (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ) أي فأجابهم ربهم... وقوله -تعالى-: (أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى) هذا تفسير للإجابة، أي قال لهم مخبراً أنه لا يضيع عمل عامل منكم لديه، بل يوفي كل عامل بقسط عمله من ذكر أو أنثى وقوله: (بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ) أي جميعكم في ثوابي سواء..."
وقال تعالى: (وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيراً)(النساء: 124).
قال ابن كثير -رحمه الله- في تفسير الآية: "بيان إحسانه وكرمه ورحمته في قبول الأعمال الصالحة من عباده ذكرانهم وإناثهم بشرط الإيمان وأنه سيدخلهم الجنة ولا يظلمهم من حسناتهم ولا مقدار النقير وهو النقرة التي في ظهر نواة الثمرة".
وقال -عز وجل-: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ )(النحل: 97).
قال ابن كثير -رحمه الله-: "هذا وعد من الله -تعالى- لمن عمل صالحاً وهو العمل المتابع لكتاب الله -تعالى- وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- من ذكر أو أنثى من بني آدم وقلبه مؤمن بالله ورسوله وإن هذا العمل المأمور به مشروع من عند الله بأن يحييه الله حياة طيبة في الدنيا وأن يجزيه بأحسن ما عمله في الدار الآخرة، والحياة الطيبة تشتمل وجوه الراحة من أي جهة كانت".
وقال الله -تعالى-: (مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزَى إِلا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ)(غافر: 40).
3ـ عن أم عمارة الأنصارية أنها أتت النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: (ما أرى كل شيء إلا للرجال وما أرى النساء يذكرن بشيء فنزلت هذه الآية (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ)(الأحزاب: 35)(رواه الترمذي وصححه الألباني).
وفى مسند الإمام أحمد عن أم سلمة -رضي الله عنها- قالت: (يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لنا لا نذكر في القرآن كما يذكر الرجال قالت فلم يرعني منه يوما إلا ونداؤه على المنبر يا أيها الناس.. قالت وأنا أسرح رأسي فلففت شعري ثم دنوت من الباب فجعلت سمعي عند الجريد فسمعته يقول إن الله عز وجل يقول:
(إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً)(الأحزاب 35)، قال فيه ابن كثير إسناده لا بأس به.
نسال الله لنا ولك الإخلاص في القول والعمل، والثبات على هذا الدين وصلى الله على نبينا محمد.