الركيزة الثالثة : وسائلك الواجبة والمكملة ، وضرورة تنوعها .
لقد نوع الله سبحانه من الوسائل في "الإنسان" وهي إشارة جلية لضرورة تنوعها في حياتك لتحقيق ما تصبو إليه ، فمنها :
1) وسائل لأداء حقه سبحانه على هذا الإنسان .
(يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا) (7)
(وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) (25)
(وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا) (26)
2) ومنها حق للإنسان على الإنسان :
(وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا) (
ومن تأمل في هذه الوسائل ؛ وجد منها الواجب (يوفون بالنذر) ومنها المستحب (وسبحه ليلا طويلا) ، ومنها اللازم في كل وقت (ويخافون يوما) ومنها المؤقت بزمن (بكرة وأصيلا) ومنها ما هو خاص بالليل ومنها في النهار ، ومنها عبادة قلبية (يخافون) ومنها بدنية (فاسجد) ولسانية (فسبحه) ، ومنها ما أمر الله به ابتداء (واذكر) ومنها ما أوجبه العبد على نفسه (يوفون) .
وأمعنْ حفظك الله النظر في الاقتصار على الإطعام في "الإنسان" حين ذُكر حق الإنسان على الإنسان ، واستحضر معها آية المدثر (وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ) وآية الحاقة (إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (33) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ) وآية الغاشية والفجر والماعون .
إنها الإنسانية في الدين الخاتم في أرقى مشاعرها حين لا يكون للاختلاف في الدين والعقيدة فضلا عن اللون والعرق والجنسية أيُّ أثر على بذل ضروريات الحياة للإنسان من طعام وشراب وأمن ومأوى ، والطعام المقدم هنا ليس هو الفضلة ولا الفُتات ، بل هو طعام محبب تتطلع إليه نفوس (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ) ، علماً بأن الأسير في زمنه صلى الله عليه وسلم لا يكون إلا كافراً محارباً عدواً لله ورسوله ، فكيف بالسجين الكافر المسالم ؟ وكيف بالمسلم ؟؟ ثم كيف إذا كان سجنه إنما هو بتأويل محتمل أو ظلم بواح ؟؟!
3) وهناك وسائل مشتركة خصّ الله منها اثنتين فقط بالذكر في "الإنسان"وهما الصبر والقرآن :
-(وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا) (12) (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ) (24)
-(إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا) (23)
وهذا الصبر أمره عجب فقد قدمه الله في (القرآن) على القرآن والصلاة والتقوى والتوكل والاستغفار والنصر والثبات في مواطن متعددة ، والصلاة في القرآن لا تكاد تُسبق فلما اقترنت بالصبر قُدم عليها في آيتين كلاهما في البقرة (استعينوا بالصبر والصلاة) ، وفي "الإنسان" كُرر الصبر مرتين بينما القرآن مرة واحدة ، لأن ما من فضيلة في دين أو دنيا إلا والصبر سُلمها ، ولا ضدها إلا وثوب الصدر قد تعارّ عنها . ولذا أُثر عن علي رضي الله عنه أنه قال :ألا إن الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد ، فإذا قطع الرأس بار الجسم ، ألا لا إيمان لمن لا صبر له .
فإن ركبت الصبر أيها "الإنسان" ، وكان دليلك القرآن ، فالموعد تحت قُبة عرش الرحمن .
وتأمل كيف تكرر التأكيد على حضور الغاية مع الوسيلة :
(إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا) (9)
(إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا) (10)
(الله) (القيامة) (الجنة) (النار) غايات لا يجوز أن تغيب عن قلب وعقل وسمع وبصر المربي والمتربي في كل مراحل الطريق ومهما اختلفت الوسائل .